اليوم العالمي للغة العربية : خواطر حول لغة الضاد
تحتفل البشرية جمعاء باليوم العالمي للغة العربية ولهذا الحدث دواعيه ومدلولاته. فجذور هذ اللغة ضاربة في أعماق التاريخ وأوصلوها ثابتة في الأرض وفروعها ممتدة تعانق السماء. فلهذه اللغة افضالها ومزاياها على البشرية منذ بزوغ فجرها الأول حيث ظهرت للوجود في مهد الحضارات ومبعث الرسالات. وتأثيراتها، سواء في أشكالها القديمة التي تطورت وتفرعت من بلاد العرب وتقمصت تنويعات عديدة يلمس فيها كلها أصلها الواحد وهي تأثيرات جلية في اللغات الحديثة كاللغة الفرنسية التي تدين للعربيةبـ60 في مائة من مفرداتها.
والحال أن أفضال العربية على الغرب وحضارته لا تحصى ولا تعد وأعظمها أنها أعطت البشر أبجدية أولية مكنتها من الارتقاء في مسلك التقدم العلمي والحضاري. لقد استطاعت هذه اللغة في عصر النهضة أن تعبر عن حضارة وتترجم علوم الأمم الأخرى وفلسفاتها وأثبتت مقدرتها على المرونة والانطلاق ولم تحجم عن استيعاب الألفاظ من لغات أخرى.
واللغة العربية الفصحى جزءً ثمين من تراثنا وفكرنا وروحنا، ورباط مقدسً يربط بين أبناء الأمة العربية والإسلامية الواحدة، فهي كما قال أحد العارفين "ليست شيئاً تجريدياً يعيش خارجنا، وإنما هي كائن حي يعيش داخلنا، وهي وحدها التي تمد المؤلف والمفكر بتراثها الضخم وتمنحه كنوزها وقواها الظاهرة والخفية وهي جزء جوهري من تكويننا الروحي والشعوري، في قادرة - بما تملك من طاقات لا محدودة - على التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا. إنها تعيش داخلنا وتربطنا بجذورنا، وتجعل الحاضر امتداداً للماضي.
ومن خصائص لغة الضاد: الاشتقاق (إنتاج عدد كبير من الكلمات من جذر واحد (300) كلمة للصيغة الواحدة، إذا علمنا أن في اللغة العربية ما لا يقل عن عشرة آلاف جذر) وذلك يدل على قدرتها على مواكبة التطور والتحديث الدائمين واستيعاب المعارف الجديدة. كما تتميز أيضا بالتخفيف والاعتدال (الحرف الثاني في أي كلمة عربية هو أخف من الحرف الأول) وبالإعراب ونعني به الإبانة عن المعاني بالألفاظ وتغيير أواخر الكلمات بتغيير وظائفها النحوية ضمن الجملة؛ وبالعروض وهي الخاصية الموسيقية للغة العربية؛ ثم بوفرة مخارج الأصوات فيها وتوزيعها بين الجوف، والفم، والشفة، والخيشوم ومنها التمييز الواضح بين المفرد والمثنى والجمع، والتمييز بين المذكر والمؤنث؛ وبالترادف أي ما اختلف لفظه واتفق معناه بعدة مفردات لمدلول واحد، فللأسد أكثر من 100 اسم والمشترك هو اللفظ الواحد له أكثر من معنى، فكلمة العين هي عضو الإبصار ونبع الماء والرجل الوجيه في قومه الخ.
وتواجه العربية اليوم تحديات عديدة منها نزعة تحقير كلّ ما هو عربي والدعوة إلى استعمال العامية واستبدال الحرف العربي وكتابته بالحروف اللاتينية، والدعوات المشبوهة التي أطلقها بعض من بني جلدتنا الذين درسوا في الغرب ورضعوا حليبه وعادو يروجون لأفكاره وتغلغلوا في مجتمعاتنا وبثوا سمومهم في بلداننا وهم كثيرون.
فلا بد من التنويه والتذكير بان لغة الضاد في الجزائر العربية المسلمة كانت هي الوعاء الذي حمى هويتينا وقاوم الفرنسة والتنصير على مرّ قرن وثلاثين سنة. وبفضل علماء الجزائر ومصلحييها حافظت الجزائر على هويتيها ورحم الله الشيخ البشير الإبراهيمي حين قال عنها " أنها وعاء الإسلام وحافظة قرآنه وتراثه والمحافظة عليها تعنى بقاء الإسلام والعروبة في الجزائر وبمحاولات الاستعمار استهدافها كان هذا الأخير يستهدف عروبة الجزائر وإسلامها. ولذلك كان الصراع محتدما بين هؤلاء المصلحين والعلماء وبين المستعمرين ومن مشي على خطاهم.
السفير د . محمود براهم