سفارة الجزائر بالمنامة تحيي اليوم الوطني للذاكرة 8 ماي 1945-2024 ”يوم مشهود لعهد منشود“
تحي سفارة الجزائر بالمنامة يوم الأربعاء08 ماي 2024 الذكرى الـ 79 لمجازر 08 ماي 1945، اليوم الوطني للذاكرة ”يوم مشهود لعهد منشود“، تخليدا لتلك الأحداث الفاصلة التي عرفت استشهاد 45.000 جزائري ذبحتهم قوات الجيش الفرنسي الاستعماري وميليشيات المعمّرين الفرنسيين المتوحّشة.
والحال أن وعي الجزائريين ونضجهم السياسي كان قد بلغ الأوج في تلك الحقبة التاريخية وصارت تطلعاتهم للحرية والانعتاق لا تقاوم وبلغ سأمهم من مماطلات الاستعمار وخزعبلاته مبلغه. فبعد أن شاركوا في تحرير فرنسا المتهالكة التي لم تصمد أمام القوات النازية وتهاوت دولتها ومكوناتها كأعجاز نخل خاوية أمام ضرباتها القاصمة والماحقة، أبلى الجزائريون البلاء الحسن في معركة التحرير التي خاضها الحلفاء ضد النازية وكان هؤلاء قد وعدوا صراحا بأنهم سينظرون في مطالب الجزائريين الشرعية في الحرية والاستقلال.
وبعد انتصار الحلفاء )الولايات المتحدة، الاتحاد السوفياتي، بريطانيا وفرنسا( على دول المحور الأوروبية )ألمانيا وإيطاليا( واستسلام ألمانيا النازية خرجت جموع هائلة من الجزائريين للتعبير عن فرحتها بهذا النصرظانين ما جزاء الإحسان إلا الإحسان وأنّهم سيحصلون على ما وعدتهم به فرنسا في مقابل التضحيات الاجتماعية والاقتصادية الجسيمة التي فرضت عليهم وفي مقدمتها التجنيد الإجباري الذي مكنّ فرنسا من تحقيق التعبئة ورفع رأسها من جديد وما ترتب عن تلك المساهمة من متاعب ومجاعات وظروف شاقة تقبلها الجزائريين ولسان حالهم يقول كل شيء يهون من أجل الحرية وكلهم أملا في أن الاستعمار سيقرّ لهم لا محالة بالجميل الذي اسدوه وبشرعية ما يطمحون إليه.
فكيف كان رد فعل فرنسا الاستعمارية ومعمريها المستغولين؟
لقد قوبلت مظاهرات شعبنا بقمع وحشي لا مثيل له. قمع يرقى لأسوا درجة من درجات الإبادة التي ارتكبتها القوات الفرنسية المدعومة بجحافل المستعمرين الجشعين ضد الجزائريين العزل. شهد هذا اليوم فظائع وجرائم مروّعة انتقاما من الأهالي المسالمين لا لسبب سوى لأنهم خرجوا للتعبير عن رغبتهم في الانعتاق والتحرر. لقد عرفت عدة مناطق في الشرق الجزائري، ذكرا لا حصرا، خاصة مناطق سطيف وقالمة وخراطة، موجة تقتيل وإبادة إنتقامية راح ضحيتها خمسة وأربعين ألف جزائري ضمن عملية تصفية لم يسلم منها لا كبار السنّ ولا الأطفال ولا النساء،وستبقى ذكراها عالقة بأجيال الجزائريين إلى الأبد.
ولقد شكّلت هذه الأحداث منعرجا حاسما في المجرى التاريخي للحركة الوطنية الجزائرية وفي مسار نضالها السياسي. فعلا لقد أيقن الجزائريون في أعقاب هذه المجازر أن المستعمر الذي غزا البلاد بالقوّة في 1830 لن يتراجع عن إبادة كافة الجزائريين من أجل الإبقاء على سيطرته على البلاد وأن الوعود الزائفة التي كانت فرنسا الاستعمارية تقدمها الجزائريين لم تكن سوى محض أكاذيب ومناورات للهروب من المطالب المشروعة للشعب الجزائري الطامح إلى الحرية والانعتاق من الظلم والاستعمار وأنّ هذه الحقوق التي سلبت بالقوة في الماضي لن تسترجع إلا بالقوة. وبذلك تيقن شعبنا بأن عهد العمل السياسي السلمي قد ولى وأن العمل المسلح الميداني والمباشر بات السبيل الوحيد للحصول على الحرية. وللحرية الحوراء باب بكل يد مضرجة يُدق. كان ذلك بداية للتحضير الجدي والعملي لأعظم ثورة تحرّرية في القرن العشرين.
لقد أرّخت هذه الأحداث لقطيعة لا وصل بعدها بين مشاريع فرنسا الاستعمارية الجشعة وبين رؤية الجزائريين للعمل التحرري ومهدت لبروز نشاط المنظمة الخاصة ثم اندلاع ثورة نوفمبر 1954 المباركة. ولم يكن أحد جلادي الاستعمار والمسؤول عن هذه المجزرة مخطئا في تكهناته حين صرح:”لقد منحت فرنسا هامش عشر سنوات من الأمن والهدوء ولن اضمن أي شيء بعد ذلك“. وبالفعل لم تكد تمض عشر سنوات حتى اندلعت ثورة نوفمبر العظمية التي اجتثت شجرة الاستعمار الخبيثة من جذورها وإلى الأبد.
المجد والخلود لشهدائنا العظام ولتعش جزائرنا حرة منيعة إلى البد.
السفير د. محمود براهم