logo Ministry of Foreign Affairs
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
سفارة الجزائر بالمنامة

السفارة الجزائرية بالمنامة تحتفل باليوم العالمي للغة العربية

اللغة العربية هي لغة البيان والكمال، فهي أقدر لغة على احتواء المعاني وتناسب الألفاظ، وقد سميت بالعربية أي الواضحة الجلية البيّنة، وقد اعترفت الأمم السابقة من أهل الحضارات بسمو لسان العرب على ما دونه من البشر. فالعربية هي أصل الأبجدية السائدة اليوم في دول العالم والتي يردها السرد الغربي المجحف إلى الحضارة اليونانية في حين أن اليونان اخذوا أبجديتيهم من الفينيقية التي تعد إحدى أشكال اللغة العربية القديمة.

وفضلا عن ذلك تم سمو لغة الضاد بقدسية وهبها الله إياها بجعلها لغة آخر كتبه وأشملها القرآن الكريم، فتحدى بها الله تعالى خلقه جميعا. وبخصوص ما عليه اللغة العربية من خصائص فريدة ومتميزة في مستويات أداءها اللساني الصوتية والصرفية والنحوية والمعجمية والدلالية وغيرها، فحدث ولا حرج فهي تتربع على عرش لغات البشر جميعا من حيث توافق اللفظ والمعنى وتمام التعبير والبلاغ. وتلك ميزات لا تفي آلاف المؤلفات بحصرها ووصفها.

لقد تميزت الجزائر وأهلها بحبهم للغة القرآن الكريم وخدمتها. وقد ساهم علماء الجزائر عبر تاريخها الطويل في تعميق علوم لغة الضاد ونشرها من أبرزهم نذكر على سبيل الذكر لا الحصر:

  • عمر بن محمد الكمّاد الأنصاري القسنطيني (الوزان): اهتم بالتدريس ورفض القضاء؛
  • يحي بن سليمان الأوراسي الذي كانت له بحوث في النحو والبيان والفقه؛
  • عبد الكريم الفقون (1073ه) الذي ترك شرحا على أرجوزة المكودي في التصريف "البسط والتعريف"، و "شرح على شواهد الشريف على الأجرومية"، و"شرح الجمل المجردي ومخارج الحروف من الشاطبية؛
  • عيسى الثعالبي (1080ه)الذي اهتم بعدّة علوم من بينها النحو والصرف والبلاغ؛
  • يحي الشاوي (1096ه): صاحب مؤلفات في شتى العلوم ومنها "أصول النحو" و"الدر النضيد في إعراب كلمة التوحيد" و "حاشية على شرح المرادي للخلاصة في النحو" و"حاشية على شرح الشريف بالأجرومية" و"حاشية على شرح عصام الكافية لابن الحاجب" و"المحاكمة بين أبي حيان المفسر والزمخشريوابن عطية في التفسير"؛
  • أحمد بن قاسم البوني (1139ه) الذي ألف ما يربو عن مائة كتاب ما بين مختصر ومطوّل، نظما ونثرا، وأكثرها في نظم متون علم اللغة على غرار "أنس النفوس بفوائد القاموس" و"نظم الأجرومية" و"إعانة المعاني بما للّفظ العجز من المعاني".
  • محمد أبو راس المعسكري (1238ه) صاحبالتآليف في علوم كثيرة من بينها "رفع الأثمان في لغة الولائم الثمان" و"الضابط المختصر من الأزهري على قواعد القاموس والجوهري" و"ضياء القابوس على كتاب القاموس" الخ..

أما في العصر الحديث فنجد جمعية العلماء المسلمين ونخبة من الأدباء كشاعر الثورة مفدي زكريا، ومحمد العيد آل خليفة، وأما بالنسبة لعلماء اللغة المعاصرين فنهيب بشيخ اللسانيين العرب الأستاذ عبد الرحمن حاج صالح الجزائري لجهوده الجبارة وإيمانه المنقطع النظير وعزمه الذي لا يلين في خدمة لغة الضاد في الجزائر وفي العالم وقد أثنى عليه رئيس المجلس الأعلى للغة العربية صالح بلعيد قائلا: "لعل من أبرز رموز أعلام اللغة العربية حديثا اللغوي عبد الرحمن الحاج صالح الذي يعد اللساني الذي يساهم في بعث التراث الغوي من جديد وربط الأصالة بالمعاصرة وتحديد المفاهيم والمعرفة الحقّة بأصول البحث اللغوي خاصة التدريس النحوي منه".

وللتذكير، بعد أن دخلت الجزائر في ليل الاستعمار الطويل تعرضت لغتها العربية الفصحى لهجمة ضارية قامت بها جحافل التبشير باعتبارها لغة القرآن واللغة الجامعة بين مختلف أقطار الأمة العربية وقد تجلت حربهم في  الدعوة إلى استعمال اللهجات العامية بدل اللغة العربية الفصحى وإلى استبدال الحروف العربية بالحروف اللاتينية في الكتابة العربية  بهدف القضاء على الدين الإسلامي الذي يعتبر مصدر قوة ومقاومة العرب المسلمين وبذلك يتحقق هدف القضاء على الثقافة العربية عن طريق فصل الأجيال العربية الصاعدة عن تراثها الثقافي المكتوب بالحروف العربية وفصم عرى الوحدة القومية بين أقطار الأمةالعربية لإضعاف واستعباد العرب جميعاً بعد انهيار وحدتهم التي تمثل قوتهم.ولولا أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، ولغة الدين والحضارة الإسلامية، لتحقق لأعدائها ما كانوا يصبون إليه.

أما الجزائر ولغتها العربية فبينهما رباط لا ينفصم وانصهار لا يحلّو وشائج لا تفنى. فلو تعرض بلد آخر لما تعرضت له الجزائر من حرب على لغتها وثقافتها ودينها لكان قد تفسخ وذاب في بوتقة التغريب. لقد كان للغة العربية وكتاتيب القرآن والزوايا والمساجد والعلماء الجزائريين الفضل الأكبر في مقاومة الغزو الثقافي الفرنسي الذي مورس على مدى قرن وثلاثين سنة. ورغم كل ما بذله الاستعمار من جهود لدفن شخصية الجزائر العربية المسلمة وإحلال محلها كيان مٌغربن ممسوخ يدين بالولاء للاستعمار ويخدمه، حافظت الجزائر على دينها ولغتها وعروبتها.

وفضلا عن ذلك ساهت الجزائر في ترقية هذه اللغة والدفاع عنها فقد كانت الجزائر دوما واعية بالرهانات المرتبطة باللغة العربية ومؤمنة بضرورة دخولها المعترك الدولي ومجالات العلم والصناعة بعد أن غيبت عنه بسبب تغييب حضارتها وتكالب الأمم الحاقدة عليها.

فعلى الصعيد الدولي كانت الجزائر سباقة لإدخال العربية إلى محفل الأمم المتحدة حين ألقى الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله خطابا تاريخيا باللغة العربية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 1975، وكان أول من فعل ذلك، منافحا عن قضايا ومصالح البلدان النامية، مؤكدا أن الصراع ليس بين الشرق والغرب بل هو بين الشمال والجنوب وأن على الشمال أن يدرك أن للجنوب حقوقا مشروعة قد سلبت" كما كانت الجزائر أول من طالب على لسان وزير خارجتيها الأسبق الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي بإدراج اللغة العربية في اليونسكو.

وأما من منظور توطين العلوم والانبعاث الحضاري فالتاريخ سيذكر أن الراحل بومدين كان أول من تفطن إلى ضرورة "أن تصبح العربية في المستقبل لغة الحديد والصلب والبتروكيمياء".

وفي الختام لغة الضاد في الجزائر منيعة مناعة الجزائر قوية بمؤسساتها التي تسهر على رقيها من مجامع لغوية ومجالس عليا وغيرها ومحصنة بفضل تحصن الجزائريين بدنيهم الذي تمثل اللغة العربية وعاءه الحاضن الأبدي وبمبادئهم العادلة التي استمدوها من موروثهم العقائدي الروحي والجهادي. فعاشت اللغة العربية إلى الأبد وعاشت الجزائر منيعة سيدة إلى يوم الدين.

السفير د. محمود براهم

جميع الحقوق محفوظة - وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج - 2023