logo Ministry of Foreign Affairs
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
سفارة الجزائر بالمنامة

سفارة الجزائر تحتفل بذكرى يوم الشهيد… على درب الشهيد

سفارة الجزائر تحتفل بذكرى يوم الشهيد… على درب الشهيد

تحتفي الجزائر قيادة وشعبا في الثامن عشر من فبراير من كل سنة بيوم الشهيد تيمنا بأولئك الذين غشوا الوغى وعفّوا عند المغانم. فهي ذكرى وعبرةتحض الجزائريين جميعهم للتوقف عند فعل الشهادة وعظمتها وكونها ركيزة من ركائز روح الأمة وبها وبغرسها في جبلة الناشئة تحيا ويكتب لها البقاء. كما أنها لحظة عرفان لمآثر جحافل شهداء الجزائر وأخرى لتدبرمعاني الشهادة وأبعادها.

فالشهيد يخلق باستشهاده سابقة هي سابقة المقاومة ودونها تضيع الأمم موروثاتها وشخصيتها. والسابقة تخص من حوله ومن سيأتي بعده. فحتى وإن لم تؤدي شهادته إلى النصر المرغوب فإنها ستحرك جذوة المقاومة وتتركها مشتعلة في نفوس ذويه بل وتنقش في مخيال أمته التعلق بالحرية ورفض العبودية. فعندما استشهد الآلاف من الجزائريين في ملاحم المقاومة ضمن معارك غير متكافئة على غرار جهادات قائد الجزائر الأمير عبد القادر أو المواجهات المظفرة التي قام أحمد باي ضد جحافل الجيوش الفرنسية الغادرة أو خلال الثورات الشعبية العديدة التي لم تنقطع، فأن الفعلالجهادي لهؤلاء جميعهم هو من مهد للنصر الذي حققته ثورة نوفمبر 1954 المجيدة.

فالهزائم التي منيت بها مقاومات شعبنا في الجزائر في بداية الاستعمار، بما أنها لم تحقق نصرا فاصلا ضد عدو غاصب، إنما تحولت إلى رصيد من الخبرة والتحدي والعزم ومحطات لتمحيص نقاط القوة والضعف فيما بذل من جهاد لمن سياتي بعد ذلك ويأخذ المشعل ويمكن الأمة من الاستعداد في لاحق الأيام لخوض الملحمة الفاصلة التي بها دحر الاستعمار خارج الجزائر وهو يجر أذيال الخيبة والهزيمة.

 ويمكن القول بأن الشهيد يمنح باستشهاده التيار المحرك لمن معه ومن حوله ومن سيأتون بعده أو يمنح النموذج المثالي الذي يحتذى به فهو من يخلق المعيار السلوكي الذي يترجم معنى الانتماء ويتمثله في الواقع لا في الخيال.

فلو تأملنا على وجه العموم تاريخ الأمم البشرية لوجدناه تاريخ حروب وتدافع ومدّ وجزر بين الحق والباطل وبين العدل والبغي. فحتى يكتب البقاء لأي أمة بشرية، يتعين عليها أن تدافع عن وجودها ومقوماته من هوية وعقيدة وموروث مادي وروحي. ففي حال تعرضها للعدوان والغزو لن تجد لها سوى خياران لا ثالث لهما: أما أن تدافع عن نفسها وتحتفظ ببقائها أو ترضخ للمعتدين وتتعرض للتدمير أو الذوبان في الكيانات الطاغية المهيمنة. فإذا اختارت هذه الأمم الذود عن حريتها وحرمتها كان لزاما عليها أن تضحي بالغالي والنفيس وأن يضحي أبناؤها بأوراحهم قربانا لوجود أمتهم وبقائها. هذت حال الأمم عموما أما حال الجزائر العربية الاسلامية فتكتسي فعل الشهادة فيه معاني عظيمة فهي من سيمكن الأجيال من البقاء ويرفع شهداءها إلى العلا في حياة أبدية رفض القرآن أن يصفها بالموت فقال "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" (آل عمران الآية 169).

فالشهادة إذن إيثار في أسمى معانيه وتضحية تجعل من النفس قربانا يبدل عن طيب خاطر وبفرح وغبطة من أجل أن يحي الوطن وتحيا عقيدته ويتواصل وجوده.فهي أقصى قدر من نبذ الذات والأنانية وأعلى مستوى من الإيثار وعلو الهمة.فالشهادة فعل يمثل أسمى أنواع الشجاعة والفداء والإيثار فمنتهى الشجاعة أن تبذل نفسك قربانا لمثلك العليا الساميةومنها الوطن والدين ومقومات شخصيتك ومنتهى الفداء أن تنمح الأخرين حياة لتموت أنت وترفض حياة لا ترى فيها مسوغا للبقاء ولا مكانا لمثلك العليا وقيمك الأسمى.

وإذا كانت جحافل الشهداء في جزائرنا لا حصر لها فأعلام الجهاد بها قد تمثلوا كل هذه القيم فبن بولعيد وعميروش وبن مهيدي وباجي وحواس ولطفي وغيرهم أمثلة على علوّ همة الجزائريين وشهامة طبيعتهم. كان يمكن أن تكون مسارات حياة هؤلاء العمالقة مختلفة لاسيما من كان يملك منهم الثروة والمكانة وكان يمكن أن ينأوا بأنفسهم عن متاعب النظال والجهاد والمخاطر ويركنوا إلى السلامة والطمأنينة. فلو أرادوا لذيذ العيش لكانوا نعموا به لاسيما من كان منهم في يسر من أمره وذو مال وفير، غير أنهم فضلوا ركوب المخاطر والسمو بهمهم إلى العلا بعقيدة راسخة بأن ما في دار البقاء خير مما في دار الفناء.

وإن كان من المستحيل أن نفي الشهداء حقهم من العرفان والتكريم، فتكريم الله لهم أعظم مِن كُلّ تكريم، فقد سمي الشهيد شهيدا في مرجعية أمتنا الدينية والأخلاقية لأن الله تعالى ورسوله شهدا له بالجنة، فإن أعظم واجب علينا حيالهم هو المضي على دربهم: درب الشهيد فالجزائر اليوم برمتها وفية لشهدائها وستبقى كذلك إلى الأبد.

عاشت الجزائر منيعة حرة.

السفير د. محمود براهم.

 

 

جميع الحقوق محفوظة - وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج - 2023